الحركة حياة: كيف تغيرت نظرتنا للرياضة ودورها في سعادتنا وصحتنا

أحصل على تذكرة يوم مجاني الأن!
شهدت ممارسة التمارين الرياضية تحولاً كبيراً في السنوات الأخيرة، فلم تعد محصورة بفئة عمرية أو جنسية محددة، بل باتت تلقى رواجاً متزايداً بين النساء وكبار السن، مع تزايد الإقبال على الأوزان الحرة وتمارين القوة.
هذا التحول لا يتعلق فقط بطريقة التمرين، بل أيضاً بالأسباب التي تدفع الناس لممارستها. ففي الماضي، كان الدافع الرئيسي خلف الرياضة هو فقدان الوزن أو تحسين الشكل الخارجي، أما الآن فقد أصبح الهدف الأكبر هو الحفاظ على جسم قوي وقادر على أداء المهام اليومية والعيش بصحة جيدة لأطول فترة ممكنة.
مصطلح "طول العمر" أصبح المفهوم المحوري الجديد الذي يوجه أسلوب الحياة الرياضية، وهو ما لاحظته الكاتبة بوني تسي أثناء تأليف كتابها الجديد "عن العضلات: ما الذي يدفعنا إلى التحرك ولماذا يهم". وفي سياق بحثها، اكتشفت عاملاً أساسياً ومحفزاً لمواصلة التمارين الرياضية لم يكن متوقعاً: المتعة.
تؤكد تسي أن الشعور بالمرح أثناء الحركة يشكل دافعاً مهماً يغفل عنه كثيرون، وتضيف أن المتعة التي نشعر بها أثناء ممارسة النشاط الجسدي تشبه اللعب، وهي التي تدفعنا إلى الاستمرار. هذا النوع من المتعة لا يعزز فقط الحالة النفسية، بل ينعكس أيضاً على الصحة الجسدية، وضوح الذهن، وتحسن في عمل القلب والأوعية الدموية. فالحركة، بحسب تسي، مصدر مباشر للبهجة والفرح.
لكن هناك مشكلة: مع تقدمنا في السن، نصبح أكثر تحفظاً وخوفاً من تجربة أنشطة جديدة. تقول تسي إن الإنسان مع مرور الوقت يميل إلى التمسك بروتينه المعتاد، ويرفض المجازفة بتجربة شيء جديد خشية الفشل أو الظهور بمظهر غير لائق. كثيرون يخشون أن يبدوا مبتدئين أو غير متمرسين، فيتراجعون عن الخوض في تجارب جسدية جديدة.
ومع أن هذا النمط من التفكير يبدو طبيعياً، إلا أنه يحرم الإنسان من متع وفوائد جمّة. تسي نفسها بدأت تجربة ركوب الأمواج قبل بلوغها سن الثلاثين، وخلال بحثها شاركت في أنشطة جديدة مثل القفز بالحبل المزدوج (double Dutch)، ووجدت أن أفضل ما في هذه التجارب يكمن في مغادرتها لمنطقة الراحة. فكل نشاط جديد يحفز العقل والجسد بطرق مختلفة، مما يمنح الإنسان شعوراً بالتجدد والشباب.
أحد أبرز الأمثلة التي توردها تسي هو "القفز"، الذي أصبح تمريناً شبه محظور لدى الكبار أو المبتدئين بسبب الخوف من الإصابات. لكن التوقف عن القفز يؤدي إلى ضعف العضلات والمفاصل المرتبطة بهذه الحركة، ما يجعل من العودة إليها لاحقاً أكثر صعوبة. لذلك، تدعو تسي إلى تجاوز الخوف والعودة لممارسة الحركات الممتعة كوسيلة للحفاظ على الحيوية.
تستشهد الكاتبة بمصور شهير يدعى فيليب هالسمان الذي التقط صوراً لأشخاص بارزين وهم يقفزون، كاشفاً بذلك عن لحظة عفوية تعكس حقيقتهم دون أقنعة. أحد هؤلاء كان قاضياً عمره 87 سنة، قال قبل قفزته: "القفز! ليست هذه طريقة سيئة للموت". كان متردداً، لكنه قفز في النهاية، كأنما يعبر عن تحرره من قيود العمر.
المتعة بالحركة لم تكن مجرد نظرية بالنسبة لتسي، بل كانت جزءاً من حياتها. منذ طفولتها، كانت تشارك والدها، الذي كان فناناً وحاملاً للحزام الأسود في الكاراتيه، لحظات من اللعب والحركة. تعلّمت منه الرسم واللكم، ثم تحولت إلى السباحة، والتي منحتها شعوراً بالانتماء. وفي الجامعة، مارست التجديف، ثم شاركت في مسابقات الترياثلون، إلى أن أصبحت تركب الأمواج.
غير أن كثيرين لا يشاطرونها هذا الشغف، إذ تنقطع العلاقة بين الناس والرياضة بعد انتهاء مرحلة الدراسة، وتصبح التمارين عبئاً أو مهمة مرهقة تحتاج لدافع قوي. وهنا ترى تسي أن الحل يكمن في تجربة أنشطة متنوعة، ثم الالتزام بما يشعر الإنسان تجاهه بالمتعة. فالمتعة، بحسب قولها، هي المفتاح الذي يجعل من الحركة جزءاً من الحياة اليومية، وليست مجرد التزام عابر.
تضرب تسي مثلاً بوالدتها، التي بدأت تمارس الرقص الجماعي بعد تخرج تسي من الجامعة. ووجدت في هذه الممارسة تجربة اجتماعية ممتعة، مليئة بالطاقة والتفاعل، مما جعلها تداوم عليها دون شعور بالملل أو الضجر. فالموسيقى تتغير، والحركات تتجدد، والالتزام بالمجموعة يمنح المرء حافزاً إضافياً.
تشير تسي إلى أن هذا النوع من الأنشطة يعود بالفائدة على مختلف المستويات: جسدية، نفسية، واجتماعية. وتؤكد أن الأهم هو العثور على النشاط الذي يمنحك المتعة، لأنه هو الذي سيدفعك إلى الاستمرار.
وتتابع: "مع تقدمنا في السن، نميل إلى نسيان أن طفولتنا كانت مليئة بالأنشطة الحركية الممتعة: القفز بالحبل، التسلق، اللعب في الحدائق، أو ممارسة الرياضات. تلك الحركات التي كانت تملأنا حيوية ما زال يمكنها أن تكون جزءاً من حياتنا الآن".
إذاً، فالجسم الذي لا يُستخدم يفقد قدرته، وهذا ما يدعم قاعدة "استخدمه أو اخسره". الأنشطة البدنية، وخاصة الهوائية منها، تساعد على تحسين وظائف القلب والرئتين، فيما تقوي تمارين المقاومة العضلات والعظام والأوتار، ما يساهم في الحفاظ على القدرة الجسدية لأداء المهمات اليومية بفعالية مع التقدم في العمر.
تسي تنصح بأن يبدأ الشخص بأي نشاط يستمتع به، ثم يُضيف إليه تمارين القوة. وتوضح أن عالم الرياضة يشهد تحولاً ملحوظاً نحو تقبل رفع الأثقال كنشاط يناسب الجميع، لا سيما مع التقدم في العمر. الأبحاث باتت تؤكد على أهمية تمارين القوة في الحفاظ على الصحة العامة، وصحة الدماغ، وكتلة العضلات، وسلامة القلب والأوعية الدموية.
الوعي المتزايد بمشكلة ضمور العضلات المرتبط بالتقدم في السن (الساركوبينيا) ساهم في تعميم تمارين القوة، حتى أن تسي لاحظت أن الشابات في العشرينيات من العمر يمارسن تمارين مثل "الرفعة الميتة"، وهو ما لم يكن شائعاً سابقاً. وتؤكد أن هذا التوجه أصبح جزءاً من الهوية الجسدية للكثيرين.
كما أن الأشخاص الأكبر سناً بدأوا يتبنون هذه التمارين بهدف الحفاظ على حيويتهم وقدرتهم الجسدية لأداء المهمات اليومية، مع الحرص على استمرار الحركة حتى في مراحل عمرية متقدمة.
وفي ختام تأملاتها، تشير تسي إلى أن العضلات ليست مجرد عنصر جمالي، بل هي عضو ذكي يستحق التقدير. فهي جزء من كل العمليات الحيوية التي تجري داخل أجسادنا، من نبض القلب إلى هضم الطعام وحتى ردود الفعل العاطفية مثل القشعريرة.
فحين تشعر بالقشعريرة وترتفع الشعيرات على جلدك، فإن ذلك يحدث بفضل عضلات دقيقة تتفاعل مع مشاعرك. هذا الجانب الإنساني والحيوي للعضلات يعكس مدى الترابط العميق بين أجسادنا وعواطفنا.
الحركة ليست رفاهية، بل ضرورة بيولوجية ونفسية. ابحث عن المتعة في النشاط الجسدي، اخرج من منطقة الراحة، وجرب أنشطة جديدة. فالحفاظ على جسمك في حالة حركة، لا يطيل عمرك فحسب، بل يضيف إليه حياة.
المصدر: independentarabia
الآراء التي يتم مشاركتها في مدونة جيمنيشن هي آراء المؤلفين المعنيين فقط ولا تمثل وجهات نظر جيمنيشن أو أي عضو من فريق جيمنيشن.